في “المسرح الاختباري”…أنطوان ملتقى

كتب هنري الكك

من “ماكبث” إلى “المسرح الاختباري” مروراً بالتعليم الجامعي والمسرحيّات والأعمال التلفزيونيّة.. مسيرة طويلة من العمل الشاق والمضني.. شاق لصعوبة التأسيس، ومضنٍ لصعوبة الاقناع.
علاقتي بابن وادي شحرور الكبير أنطوان ملتقى، تعود إلى ست وخمسين سنة بالتمام والكمال، وأرى فيها الإبهار في كل ما أقدم عليه هذا الإنسان المتفاني في العطاء، وعلى رأس هذا العطاء كانت فكرة إطلاق “المسرح الاختباري” الذي أسّسه وزوجته الرائعة بثقافتها لطيفة شمعون ملتقى.
على خشبة “المسرح الاختباري” كان وزوجته يراقبان جاذبيّة الخشبة في استقطاب من هم بحاجة إليها. كانا يراقبان بصمت ويعطيان بدفق لمن يطلب المساعدة والمعلومة والخبرة.
كان “المسرح الاختباري” بمثابة “بروفا” للأعمال التي لها حظ الانتقال إلى الخشبات العريضة للمسرح.
كان تأسيسهما لهذا المسرح عملية ضبط للغاية المسرحيّة في وقت بدأت فيه بعض الأعمال المقدّمة على الخشبات تميل إلى الهبوط.
في تلك الأيّام كان أنطوان بذلك المسرح يسعى إلى تحريك روح النقد في أوساط العاملين بالمسرح من خلال الأعمال الاختبارية كي لا يقعوا في محظور الابتذال في أعمالهم.
هذه مفاصل بالثقافة لم تعد معروفة حالياً، ولا يقدر على تثمينها غير جيلنا الذي رافق تلك المرحلة، وهي مرحلة أوصلت المسرح اللبناني إلى التألق واختراق الحدود إلى الدول العربيّة والعالم الأوسع.
ما هو جميل بالمسرحي الكبير الراحل أنطوان وزوجته السيّدة لطيفة أمدّ الله بعمرها، أنّهما كانا يستمعان إلى الرأي الآخر باحترام كلّي مهما كان مغايراً لآرائهما، بعد ذلك يصمتان إن لم يطلب صاحب الرأي رأيهما. هذه قوّة لا توازيها قوّة، وسيطرة على النفس يصعب الامتثال بمثلها. وكم من مرّة كدت أتنطّح فيها للإجابة عوضاً عن أنطوان، وكنت أهدأ وأصمت كصمته.
أنطوان ملتقى علامة من العلامات الفارقة بالثقافة العامّة، وعلم كبير جدّاً من أعلام المسرح الّلبناني. واسم تأسيسي في المسرح الّلبناني الذي تجاوزنا بانطلاقته وأعماله الرائعة ركود الفكر المسرحي في العالم العربي لعقود من الزمن.